سورة الأنعام - تفسير تفسير الماوردي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنعام)


        


قوله عز وجل: {وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً} فيهم قولان:
أحدهما: أنهم الكفار الذين يستهزئون بآيات الله إذا سمعوها، قاله علي بن عيسى.
والثاني: أنه ليس قوم لهم عيد يلهون فيه إلا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فإن أعيادهم صلاة وتكبير وبر وخير، قاله الفراء.
{وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} يحتمل وجهين:
أحدهما: معناه وغرتهم الحياة الدنيا بالسلامة فيها، ونيل المطلوب منها.
والثاني: معناه وغرتهم الدنيا بالحياة والسلامة منها، فيكون الغرور على الوجه الأول بالحياة، وعلى الثاني بالدنيا.
{وَذَكَّرَ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ} قيل معناه أن لا تبسل كما قال تعالى: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ} [النساء: 176] بمعنى أن لا تضلوا.
وفي قوله: {أَن تُبْسَلَ} ستة أوجه:
أحدها: أن تسلم، قاله الحسن، وعكرمة، ومجاهد، والسدي.
والثاني: أن تُحْبَس، قاله قتادة.
والثالث: أن تُفْضح، قاله ابن عباس.
والرابع: أن تُؤْخَذ بما كسبت، قاله ابن زيد.
والخامس: أن تُجْزَى، قاله الكلبي.
والسادس: أن تُرْتَهن، قاله الفراء، من قولهم أسد باسل لأن فريسته مُرْتَهَنَة معه لا تَفْلِت منه، ومنه قول عوف بن الأحوص الكلابي:
وإبسالي بني بغير جرم *** بعوناه ولا بدم مراق
وقوله: بعوناه أي جنيناه، وأصل الإبسال التحريم من قولهم: شراب بَسْل اي حرام، قال الشاعر:
بَكَرت تَلُومُكَ بَعْدَ وَهْنٍ في النَّدى *** بسلٌ عليكِ مَلاَمَتِي وَعِتَابي
أي حرام عليك.
وفي قوله تعالى: {وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا} تأويلان:
أحدهما: معناه وإن تفد كل فدية من جهة المال والثروة، قاله قتادة، والسدي، وابن زيد.
والثاني: من جهة الإِسلام والتوبة، قاله الحسن.
واختلف في نسخها على قولين:
أحدهما: أنها منسوخة بقوله تعالى: {فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيثُ وَجَدْتُمُوهُم} [التوبة: 5] قاله قتادة.
والثاني: أنها ثابتة على جهة التهديد كقوله تعالى: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً} [المدثر: 11]، قاله مجاهد.


قوله تعالى: {قَلْ أَنَدْعُواْ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا} يعني الأصنام، وفي دعائها في هذا الموضع تأويلان:
أحدهما: عبادتها.
والثاني: طلب النجاح منها.
فإن قيل: فكيف قال ولا يضرنا؟ ودعاؤها لما يستحق عليه من العقاب ضارٌّ؟
قيل: معناه ما لا يملك لنا ضراً ولا نفعاً.
{وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ} بالإِسلام.
{كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأرْضِ} فيه قولان:
أحدهما: أنه استدعاؤها إلى قصدها واتباعها، كقوله تعالى: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيهِم} [إبراهيم: 37] أي تقصدهم وتتبعهم.
والثاني: أنها أَمْرُهَا بالهوى.
وحكى أبو صالح عن ابن عباس: أن هذه الآية نزلت في أبي بكر وامرأته حين دعَوا ابنهما عبد الرحمن إلى الإِسلام والهدى أن يأتيهما.
قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَواتِ وَالأرْضَ بِالْحَقِّ} في الحق الذي خلق به السموات والأرض أربعة أقاويل:
أحدها: أنه الحكمة.
والثاني: الإِحسان إلى العباد.
والثالث: نفس خلقها فإنه حق.
والرابع: يعني بكلمة الحق.
{وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ} فيه قولان:
أحدهما: أن يقول ليوم القيامة: كن فيكون، لا يثنِّي إليه القول مرة بعد أخرى، قاله مقاتل.
والثاني: أنه يقول للسموات كوني صوراً يُنْفَخ فيه لقيام الساعة، فتكون صوراً مثل القرآن، وتبدل سماءً أخرى، قاله الكلبي.
وفي قوله تعالى: {وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ} قولان:
أحدهما: أن الصور قرن ينفخ فيه النفخة الأولى للفناء، والثانية للإِنشاء علامة للانتهاء والابتداء، وهو معنى قوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَن شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ} [الزمر: 68].
والثاني: أن الصور جمع صورة تنفخ فيها روحها فتحيا.
ثم قال تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} فيه قولان:
أحدهما: أنه عائد إلى خلق السموات والأرض، والغيب ما يغيب عنكم، والشهادة ما تشاهدون.
والثاني: أنه عائد إلى نفخ الصور هو عالم الغيب والشهادة المتولي للنفخة.


قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ ءَازَرَ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدهما: أن آزر اسم أبيه، قاله الحسن، والسدي، ومحمد بن إسحاق، قال محمد: كان رجلاً من أهل كوتى قرية من سواد الكوفة.
والثاني: أن آزر اسم صنم، وكان اسم أبيه تارح، قال مجاهد.
والثالث: أنه ليس باسم، وإنما هو صفة سب بعيب، ومعناه معوج، كأنه عابه باعوجاجه عن الحق، قاله الفراء.
فإن قيل: فكيف يصح من إبراهيم- وهو نبي- سبَّ أباه؟
قيل: لأنه سبّه بتضييعه حق الله تعالى، وحق الوالد يسقط في تضييع حق الله.
قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتُ السَّمَوَاتِ والأرْضِ} ذلك وذاك وذا: إشارات، إلا أن ذا لما قَرُبَ، وذلك لما بَعُد، وذاك لتفخيم شأن ما بَعُدَ.
وفي المراد بملكوت السموات والأرض خمسة أوجه:
أحدها: أنه خلق السموات والأرض، قاله ابن عباس.
والثاني: مُلْك السموات والأرض.
واختلف من قال بهذا فيه على وجهين:
أحدهما: أن الملكوت هو المُلْك بالنبطية، قاله مجاهد.
والثاني: أنه المُلْك بالعربية، يقال مُلْك وملكوت كما يقال رهبة ورهبوت، ورحمة ورحموت، والعرب تقول: رهبوت خير من رحموت، أي أن نُرْهَب خير من أن نُرْحَم، قاله الأخفش.
والثالث: معناه آيات السموات والأرض، قاله مقاتل.
والرابع: هو الشمس والقمر والنجوم، قاله الضحاك.
والخامس: أن ملكوت السماوات: القمر، والنجوم، والشمس، وملكوت الأرض: الجبال، والشجر، والبحار، قاله قتادة.
{وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} يحتمل وجهين: أحدهما: من الموقنين لوحدانية الله تعالى وقدرته.
والثاني: من الموقنين نبوته وصحة رسالته. قوله عز وجل: {فَلمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيلُ رَءَا كَوْكَباً} قال مجاهد: ذكر لنا أنه رأى الزهرة طلعت عشاءً.
{قَالَ هَذَا رَبِّي} ومعنى جَنَّ عليه الليل، أي ستره، ولذلك سمي البستان جَنَة لأن الشجر يسترها، والجِنُّ لاستتارهم عن العيون، والجُنُون لأنه يستر العقل، والجَنِين لأنه مستور في البطن، والمِجَنّ لأنه يستر المتترس، قال الهذلي:
وماء وردت قيل الكرى *** وقد جنه السدف الأدهم
وفي قوله تعالى: {هَذَا رَبِّي} خمسة أقاويل:
أحدها: أنه قال: هذا ربي في ظني، لأنه في حال تقليب واستدلال.
والثاني: أنه قال ذلك اعتقاداً أنه ربه، قاله ابن عباس.
والثالث: أنه قال ذلك في حال الطفولية والصغر، لأن أمه ولدته في مغارة حذراً عليه من نمرود، فلما خرج عنه قال هذا القول قبل قيام الحجة عليه، لأنها حال لا يصح فيها كفر ولا إيمان، ولا يجوز أن يكون قال ذلك بعد البلوغ.
والرابع: أنه لم يقل ذلك قول معتقد، وإنما قاله على وجه الإِنكار لعبادة الأصنام، فإذا كان الكوكب والشمس القمر وما لم تصنعه يد ولا عَمِلَه بشر لم تكن معبودة لزوالها، فالأصنام التي هي دونها أولى ألاّ تكون معبودة.
والخامس: أنه قال ذلك توبيخاً على وجه الإِنكار الذي يكون معه ألف الاستفهام وتقديره: أهذا ربي، كما قال الشاعر:
رفوني وقالوا يا خويلد لا ترع *** فقلت وأنكرت الوجه هم هم
بمعنى أهم هم؟
{فَلَمَّا أَفَلَ} أي غاب، قال ذو الرمة:
مصابيح ليست باللواتي يقودها *** نجوم ولا بالآفلات الدوالك
{قَالَ لاَ أُحِبُّ الأفِلِينَ} يعني حُبَّ رَبٍّ معبود، وإلا فلا حرج في محبتهم غير حب الرب.
{فَلمَّا رَءَا الْقَمَرَ بَازِغاً} أي طالعاً، وكذلك بزغت الشمس أي طلعت.
فإن قيل: فَلِمَ كان أفولها دليلاً على أنه لا يجوز عبادتها وقد عبدها مع العلم بأفولها خلق من العقلاء؟ قيل لأن تغيرها بالأفول دليل على أنها مُدَبَّرة محدثة، وما كان بهذه الصفة استحال أن يكون إلهاً معبوداً.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9